القصة الكاملة لريا وسكينة

ربما تكون قصة ريا وسكينة أحد أشهر قصص القتلة المتسلسلين في مصر والعالم العربي، وقد يعود جزء كبير من هذه الشهرة إلى الإعلام المصري الذي تناول القصة منذ منتصف القرن المنصرم في عدة أفلام و مسرحيات نالت نجاحا واسعا، ربما تكون أكثرها صيتا و أقربها إلى ذاكرتنا هي مسرحية (ريا وسكينة) التي جسدت فيها الفنانتان الكبيرتان شادية و سهير البابلي شخصية الأخوات القاتلات في عرض ممتع امتزج فيه الضحك و الغناء مع الخوف والسوداوية المرتبطة بالوقائع الحقيقية للجريمة. وربما يعود جزء من شهرة القصة أيضا إلى سحر الماضي.
حدث ذلك عام 1920م في حي اللبان بمدينة الاسكندرية المصرية، عاشت تلك المدينة الساحلية سلسلة جرائم قد تكون أكثر دراماتيكية مما يحدث في أفلام هوليود، ولكن الفرق أنها كانت حقيقية.
من السرقة والبلطجة مروراً بالدعارة والمخدرات، وصولاً إلى القتل البشع، امتدت سلسلة الجرائم لتنشر الرعب والذعر في أرجاء المدينة على يد الشهيرتين جداً، ريا وسكينة، وهما شقيقتين، اسمهما الكامل، ريا علي همام، وسكينة علي همام، بمساعدة زوجاهما ومعاونين آخرين.

الصور الحقيقية لريا وسكينة
تعد قصة ريا وسكينة تجسيداً حياً لإحدى الجرائم البشعة التي هزت مصر في عام 1920 المشهد كان حي اللبان أفقر منطقة في ميناء الإسكندرية، والتي شهدت قتل 17 امرأة بدون رحمة، ودفن جثثهن داخل المنزل الذي تم استخدامه في شتى الأعمال المشبوهة.

شارع على بيه الكبير الذي كانت ريا وسكينة تسكنان به بحي اللبان
بدأت ريا وسكينة سلسلة من الجرائم المروعة في الاسكندرية مطلع نوفمبر 1919، في الوقت الذي انشغلت فيه المدينة الساحلية بالانتفاضات الشعبية الشهيرة التي قام بها الزعماء ضد القوات البريطانية المحتلة، مما أتاح للعصابة العمل دون عقاب.
بدأت عصابة ريا وسكينة العمل في الإسكندرية لأكثر من ثلاث سنوات، وذلك بعد القدوم من صعيد مصر إلى بني سويف وكفر الزيات لتتزوج ريا من حسب الله سعيد مرعي، بينما شقيقتها سكينة عملت في بيت دعارة حتى سقطت في حب أحد الرجال.

منزل فردوس اخر ضحايا ريا وسكينة
انتقلت ريا بصحبة زوجها، وسكينة بصحبة عشيقها للعديد من الأماكن التي كانت تستقطب فيهما الضحايا، حيث إن أربعة بيوت شهدت وقوع الجرائم ومنها سوق زنقة الستات القريب من ميدان المنشية هو الذي اصطادت منه السفاحتان معظم ضحاياهما، وعناوين البيوت هي: 5 شارع ماكوريس في حي كرموز، 38 شارع علي بك الكبير، 16 حارة النجاة، 8 حارة النجاة.

قهوه مريم الشامية صديقة سكينة
كانت ريا تذهب إلى السوق وتختار الشخصية التي في يدها الحلي والمجوهرات الكثيرة، وتقوم بالحديث إليها للتقرب منها، ومن ثم تعرض عليها أواني من المنطقة الجمركية تدعي أنها بأسعار رخيصة، وتأتي ريا بالضحية إلى المنزل لتقوم بقتلها بالاستعانة بزوجها وشقيقتها وعشيق شقيقتها، بالإضافة إلى عرابي حسان وعبدالرازق يوسف وهما أحد المعاونين.

محل الصائغ علي الذي كان يقوم بتصريف ذهب القتلى الذي تحضره ريا وسكينة
وجاءت بداية البلاغات عن طريق السيدة زينب حسن البالغة من العمر أربعين عاماً إلى حكمدار بوليس الاسكندرية في منتصف شهر يناير عام 1920 تشير في شكواها إلى اختفاء ابنتها نظلة أبو الليل البالغة من العمر 25 عاما، دون سرقة أي شيء من شقة ابنتها، وانتهى بلاغ الأم وسط إبداء مخاوفها من أن تكون قتلت ابنتها بهدف سرقة مشغولاتها الذهبية.

هذا البيت الذي كانت تسكنه سكينة تم قتل بعض الضحايا فيه
جاء البلاغ الثاني في منتصف شهر مارس من العام نفسه تلقاه رئيس نيابة الاسكندرية من المواطن محمود مرسي يفيد باختفاء أخته زنوبه حرم حسن محمد زيدان، وعلى الرغم من ذكر صاحب البلاغ اسم “ريا وسكينة” في كونهما آخر اثنتين كانتا بصحبة اخته، إلا أن الجهات الأمنية استبعدتهما من الشبهات ودائرة التحقيقات.

منزل ريا وسكينة بحارة النجا سكنت ريا مدة فيه قبل أن تنتقل إلى حارة علي بك الكبير
أما البلاغ الثالث فكان عن طريق “أم إبراهيم” فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، أكدت في بلاغها للجهات الأمنية بالأسكندرية اختفاء أمها زنوبة عليوة “بائعة طيور – 36 عاما”، وتشير الفتاة في بلاغها أن آخر من تقابل مع والدتها هما ريا وسكينة!.

منزل ريا وسكينة الأصلي بعد تجديده من قبل صاحب المنزل
في الوقت نفسه جاء بلاغ من حسن الشناوي ويعمل جنايني بجوار نقطة بوليس يؤكد أن نبوية علي اختفت من عشرين يوما، لتدور حالة من الرعب والهلع والفزع في جميع أرجاء الأسكندرية بعد البلاغات التي تقدمت وجميع الملابسات تتشابه مع اختلاف الزمان والمكان.
جاءت المفاجأة المدوية بعثور عسكري الدورية في صباح 11 ديسمبر 1920 على جثه امرأة بها بقايا عظام وشعر رأس طويل بعظام الجمجمة وجميع أعضاء الجسم منفصلة عن بعضها وبجوار الجثة طرحة من الشاش الأسود وفردة شراب سوداء.

جزء من المنزل الأصلي لريا وسكينة وهنا كانت تدفن الجثث
كانت الصدفة وحدها هي التي أوقعت الشقيقتين في يد العدالة , فسكينة كانت تستأجر غرفة من الباطن , أي أنها كانت مستأجرة لدى احد الأشخاص الذي كان هو أيضا بدوره مستأجرا من صاحب العقار الأصلي , و يبدو أن العلاقة بين المستأجر و المؤجر لم تكن على ما يرام فوصلت خلافاتهما إلى أقسام الشرطة و المحاكم , و حين أمرت المحكمة بأخلاء المنزل لصالح مالك العقار الأصلي اضطرت سكينة أيضا إلى إخلاء غرفتها , و قد حاولت بكل وسيلة و حيلة إقناع صاحب الدار بأن يؤجر لها الغرفة مرة أخرى لكنه رفض ذلك بشكل قاطع بسبب سيرتها المشينة و تصرفاتها التي طالما أزعجت الجيران , فسكينة كانت بائعة هوى في شبابها ثم أصبحت قوادة تستأجر عدد من البيوت و الغرف لإقامة حفلات السكر و العربدة مستعينة بعدد من بائعات الهوى و النساء سيئات الصيت , وقد ورد في حيثيات الحكم الصادر بحق الشقيقتين من محكمة جنايات الإسكندرية ما يؤكد طبيعة عملهن حيث ذكر أن : (هذه المحلات جميعها أعدت للدعارة سراً وكانت البغايا من النساء تترددن إليها تارة من تلقاء أنفسهن وطوراً بطلب من ريا وسكينة لتعاطى المسكرات وارتكاب الفحشاء فيها وكانت إدارة المحلات المذكورة مشتركة بين ريا وسكينة وأرباحها تقسم بينهما).
تشاء الصدف أن يقرر مالك العقار الذي أخليت منه سكينة إجراء بعض الترميمات في أرجاء المنزل، ومن ضمنها الغرفة التي كانت مستأجرة من قبل سكينة، حيث شرع في حفر أرضيتها لغرض تبديل بعض أنابيب المياه المتآكلة، لكن الرجل ما يلبث أن يعثر على بعض العظام البشرية مدفونة تحت البلاط فيمضي في الحفر حتى يعثر على جثة كاملة متفسخة لامرأة لم يتبقى مما يدل على هويتها سوى بعض خصلات الشعر الطويلة المعلقة بالكاد إلى جمجمتها. يهرع الرجل إلى قسم الشرطة مصطحبا إياهم إلى داره لمعاينة الجثة فيقرر هؤلاء الاستمرار في حفر أرضية الغرفة على أمل العثور على المزيد من الجثث، و بالفعل يتم العثور على جثة أخرى في نفس الغرفة، و على جثة ثالثة في غرفة مجاورة كانت مستأجرة أيضا من قبل سكينة. ثم تبدأ الشرطة في البحث في المنازل و الأماكن التي كانت سكينة تتردد عليها فتعثر على جثة رابعة في منزل أخر كانت سكينة تستأجر إحدى غرفه أيضا. و يؤدي اكتشاف الجثث إلى أن ترتاب الشرطة أيضا في ريا شقيقة سكينة و تبدأ في مراقبتها.

في هذه الأرض دفن 12 جثة من ضحايا ريا وسكينة
وتشاء الأقدار إن يشاهد احد المخبرين ريا في منزل يقع بالضبط خلف مبنى قسم شرطة اللبان، يشك المخبر في تصرفات ريا لأنها كانت تعطر إحدى غرف المنزل بكمية كبيرة من البخور لا تتناسب مع حجم الغرفة الصغيرة.
لكن لم يقتنع اليوزباشي ابراهيم حمدي بهذا الكلام وأمر بإخلاء الحجرة ونزع الصندرة ليكتشف أن بلاط الحجرة حديث العهد، وتصاعدت رائحة العفونة بشكل لا يحتمله انسان، وحينها ظهرت جثة امرأة لتصاب ريا بالارتباك وقرر اصطحاب ريا إلى قسم اللبان، لتخبره اللجنة المتواجدة بمكان الجريمة بالعثور على الجثة الثانية وعليها ختم حسب الله المربوط في عنقه، الذي يبدو أنه وقع منه أثناء دفن الجثث، نظراً لأن تخصصه داخل العصابة هو دفن الجثث.
يتم اقتياد ريا إلى قسم الجرائم بعد اكتشاف الجثة الثالثة، وتأمر قوات الأمن وحكمدار الأسكندرية بالتفتيش تحت بلاط كل الأماكن التي كانت فيها السفاحتان ليتم العثور على العديد من الجثث أسفل البلاط، ويعثر الملازم أحمد عبدالله من قوة المباحث على مصوغات وصور وكمبيالة (مثل الشيك) بمائة وعشرين جنيها في بيت عرابي كما عثر نفس الضابط على اوراق واحراز اخرى في بيت باقي المتهمين.
غرف المنزل كانت تنبعث منها رائحة كريهة تزكم الأنوف لم تستطع أبخرة العود و البخور الكثيفة والمتصاعدة في أرجاء المنزل من إخفاءها.
حين داهمت الشرطة المنزل وفتشت كل الغرف، عثرت على اثنتا عشر جثة تحت البلاط و مخبأة بين أخشاب العلية الملحقة بالغرفة، كما عثرت الشرطة على جثة إضافية في غرفة ملاصقة للغرفة الأولى ليصبح العدد الكلي للجثث المكتشفة سبعة عشر جثة.

مخزن محمد خفاجي صديق ريا
تقوم الشرطة بإلقاء القبض على ريا و سكينة اللائي تحاولن في البداية إنكار أي علاقة لهن بالجثث لكن حين تحاصرهما الشرطة بالأدلة و الشهود تعترفان أخيرا بجرائمهما التي تتمثل في استدراج النساء إلى مجموعة من البيوت و الغرف المستأجرة لغرض قتلهن والاستيلاء على مصوغاتهن وحليهن الذهبية، واغلب الضحايا كن أما من بنات هوى أو من النساء المتبضعات في احد الأسواق التجارية القريبة من حي اللبان.
أما طريقة القتل فقد قالت الشقيقتان بأنهما كانتا في البداية تغريان و تخدعان الضحية بالكلام المعسول حتى تنالا ثقتها، ثم تسقيانها شرابا فيه خمرة قوية تؤدي بها إلى السكر و الثمالة فتفقد القدرة على التركيز والقوة على المقاومة، حينئذ كان احد أفراد العصابة من الرجال يتسلل بهدوء خلف الضحية ثم يقوم بحركة سريعة و مباغتة بلف منديل من القماش على رقبتها بأحكام ثم يبدأ بخنقها بكل ما أوتي من قوة، و في هذه الأثناء أيضا يرتمي بقية أفراد العصابة على الضحية كما ترتمي الذئاب على طريدتها المذعورة، فيقوم بعضهم بتكميم فيمها لمنعها من الصراخ فيما يمسك الآخرون بيديها و رجليها و يثبتونها حتى تلفظ أخر أنفاسها، و ما أن تفارق الضحية الحياة حتى يجردوها من حليها و مصوغاتها الذهبية و ملابسها ثم يقومون بدفنها في نفس المكان الذي قتلت فيه، وكانت الشقيقتان تبيعان الذهب المسروق إلى احد الصاغة في السوق ثم تقتسمان ثمنه مع بقية أفراد العصابة.

القسم الذى تم فيه اعترافات ريا وسكينة
انفردت النيابة بأكبر شاهدة إثبات في القضية بديعه بنت ريا التي طلبت الحصول على الأمان قبل الاعترافات كي لا تنتقم منها خالتها وزوجها وبالفعل طمأنوها فاعترفت بأنهم استدرجوا النساء إلى بيت خالتها وبأن الرجال قاموا بذبحهن ودفنهن.
المجرمون الرئيسيون في جرائم القتل كانوا كل من: ريا و زوجها حسب الله، و سكينة وزوجها محمد عبد العال، وشخصين آخريين هما عرابي وعبد الرزاق، وقد قضت محكمة جنايات الإسكندرية بإعدامهم جميعاً.
كما شمل الحكم سجن الصائغ الذي كان يشتري الذهب المسروق من الشقيقتين لمدة خمسة أعوام، في حين برئت المحكمة ثلاثة أشخاص أخريين كانوا على علاقة بالمجرمين و تم إخلاء سبيلهم.
في 16 مايو 1921 الموافق 8 رمضان سنة 1339 أصدر الرئيس أحمد بك الصلح موسى حكم الإعدام بحق راية وسكينة وزوجيهما واثنين من “البلطجية” الذين شاركوا في عمليات القتل الفعلي للنساء، تم تنفيذ حكم الاعدام بتاريخ 21 – 22 كانون الأول / ديسمبر عام 1921.

ورقة إعدام ريا

ورقة إعدام سكينة

جثة ريا وسكينة بعد تنفيذ حكم الاعدام بهما