رغم أن القصة الأخيرة للبريكست تبدأ فصولها في تاريخ 23 يناير 2013، حينما أطلق مرشح حزب المحافظين البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون وعداً بأنه سيجري استفتاءً للخروج من الاتحاد الأوروبي بحال فوز حزبه في الانتخابات، وفعلاً فاز حزبه، وأجرى استفتاء الخروج.. إلا أن القصة الحقيقية للبريكست تعود لسنوات أطول من ذلك بكثير، ربما من العام التالي لدخول بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، أو ما كان يعرف وقتها باسم “المفوضية الأوروبية”.
معنى كلمة بريكست Brexit
معنى كلمة بريكست هي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكلمة Brexit مكونة من كلمتين، هي Br والتي تشير إلى بريطانيا Britch وكلمة Exit والتي تعني الخروج.
لذلك وبنفس السياق، حينما هدد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاتحاد الأوروبي من مغبة خروج فرنسا من الاتحاد، هدد بـ Frexit أي France و Exit.
بدايات ظهور الاتحاد الأوروبي تاريخياً
دخول بريطاني للتجمع الأوروبي حدث عام 1973، في الأول من يناير، كانت الدول الأوروبية وقتها تحاول نفض مخلفات التناقضات والخلافات الداخلية، محاولة تشكيل قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية توحد صفوفها، وتنهي احتمالية نشوء حروب جديدة “بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية”.
ويبدو أن الخوف من هيمنة الاتحاد السوفيتي على أوروبا، ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إيجاد اتحاد أوروبي يشكل حاجزاً قوياً أمام اطماع السوفييت، دعا العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، بدعم الاتحاد الأوروبي، ودعم أولى مبادرات تشكله.
ألمانيا التي أشعلت الحرب العالمية الثانية، هي نفسها من كان لها قصب السبق في تشكيل اللبنة الأولى للاتحاد، عبر تشكيل جماعة أوروبية عام 1951، عرفت باسم “الجماعة الأوروبية للفحم والصلب” ضمت كل من ألمانيا الغربية، فرنسا، ايطاليا، بلجيكا، هولندا ولكسمبورغ. لتتحول بعد ذلك في عام 1957 إلى “المؤسسة الاقتصادية الأوروبية” وهذا التغيير هو الذي شكل عماد الاتحاد الأوروبي لاحقاً.
وبذلك يمكن القول أن الاتحاد الأوروبي انشأ عملياً عام 1957، وتم تطبيقه على الدول الست المشاركة ابتداءً من 1 يناير 1958.
انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي:
تقضي قوانين الاتحاد الأوروبي على عدم السماح لأي دولة أوروبية أخرى بالانضمام إلى الاتحاد ما لم توافق جميع الدول الأعضاء على دخولها.
وامتداداً للتاريخ العدائي بين فرنسا وبريطانيا، فقد اعترضت فرنسا مرتين على انضمام بريطانيا إلى الاتحاد، حدث ذلك في العام 1963، وفي العام 1967 أيضاً، حينما قال الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول “لا” لانضمام بريطانيا.
الباوند البريطاني: هو أقدم عملة مستخدمة حتى تاريخ اليوم، بدأت بالتداول منذ عام 757 ميلادية، ولا تزال مستخدمة في بريطانيا والدول التابعة، وهو ثالث أكبر احتياطي من النقد عالمياً، بعد الدولار واليورو
في العام 1973، والذي شهد أول توسع لقائمة الدول الست المؤسسة للاتحاد، انضمت كل من بريطانيا، والدنمرك وايرلندا وجبل طارق، بعد أن وافقت الدول الاعضاء على انضمام هذه الدول. حدث هذا في ظل حكومة المحافظين بقيادة إدوارد هيث.
بريطانيا والوضع الخاص:
بريطانيا التي لا تقع على يابسة واحدة مع دول الاتحاد الأوروبي، (فهي جزيرة في الجزء الغربي الشمالي من أوروبا) كانت أكثر الدول الأوروبية خصوصية، تفردت باستثناءات لم تحصل دولة أخرى عليها.
فالاشكاليات التي سبقت دخولها للاتحاد كانت أقل خصوصية من الاشكاليات التي تبعت انضمامها.
بعد أقل من عامين على انضمام بريطانيا، كان واضحاً أن الكثير من السياسيين وأفراد الشعب البريطانيين لم يكونوا راضين عن الانضمام للاوروبيين، لذلك طرح حزب العمال (الذي استلم رئاسة الحكومة البريطانية) موضوع البقاء في الاتحاد ضمن استفتاء شعبي، قال خلاله 67% من البريطانيين انهم يريدون البقاء في الاتحاد. وبذلك أصبحت بريطانيا جزءاً أساسياً من الاتحاد بشكل قانوني حتى من داخل بريطانيا نفسها.
مع قدوم حزب المحافظين من جديد بقيادة مارغريت تاتشر، تململت بريطانيا من بعض القوانين الأوروبية، وخاصة العملة الأوروبية المشتركة، فالعملة البريطانية (الباوند) لا يمكن أن تختفي مقابل استخدام اليورو.
(اعرف أكثر عن الباوند البريطاني: هو أقدم عملة مستخدمة حتى تاريخ اليوم، بدأت بالتداول منذ عام 757 ميلادية، ولا تزال مستخدمة في بريطانيا والدول التابعة، وهو ثالث أكبر احتياطي من النقد عالمياً، بعد الدولار واليورو. الجنيه الاسترليني كان يقوم مقام الدولار في القرن التاسع عشر وكان هو العملة العالمية التي تستبدل بالذهب، حيث كان الجنيه الاسترليني هو العملة المفتاح لمنظومة النقد الدولية، وكانت بورصة لندن أكبر سوق مالية في العالم، استمر ذلك حتى 21 سبتمبر 1931، وهو تاريخ الكساد الكبير الذي أفقد العملة البريطانية 25% من قيمته، أصل كلمة الاسترليني هي كلمة Sterling وهي كلمة ألمانية الأصل وتعني العملة الفضية).
بتاريخ 7 فبراير 1992، تم توقيع معاهدة ماسترخت التي أنشأت ما يطلق عليه اليوم اسم “الاتحاد الأوروبي”، وفي هذا الاتحاد حصلت بريطانيا على امتيازات خاصة، منها الإبقاء على عملتها التقليدية، وتخفيض موازنتها ضمن الاتحاد الأوروبي، وعدم اجبارها على استقبال من يحصلون على فيزا الشنغن التي تخول الدخول لكل دول الاتحاد الأوروبي، ما عدا بريطانيا.
وفي نفس العام، بتاريخ 16 سبتمبر، اضطرت لندن لسحب الجنيه الاسترليني من آلية الصرف الأوروبية، في يوم أطلق عليه اسم “الأربعاء الأسود”، تعرض فيها الجنيه لضربة اقتصادية قوية، واضطرت الحكومة لاتخاذ اجراءات قاسية.
رغم الوضع الخاص لبريطانيا، بقيت هناك مطالبات داخلية من قبل السياسيين ومن قبل أعداد كبيرة من الشعب بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دفع بعض السياسيين لكسب أصوات أكثر في صناديق الاقتراع بناءً على وعود بإجراء استفتاء جديد للانسحاب من الاتحاد.
كاميرون وبداية البريكست:
كان حزب المحافظين يشارك في الانتخابات البريطانية كالعادة، للفوز بأكثرية تسمح له تشكيل الحكومة والاحتفاظ بها، وعلى رأس الحزب كان ديفيد كاميرون الذي أطلق بتاريخ 23 يناير 2013 تعهداً باجراء استفتاء على البقاء أو الانسحاب من الاتحاد بحال فوزه، على الرغم من أنه كان رافضاً للخروج.
البريطانيين صوتوا لصالح المحافظين، وفاز كاميرون في العام 2015 ليصبح رئيساً للحكومة، وهنا يجب أن يفي بوعوده بالاستفتاء.
قبل إجراء الاستفتاء، حاول كاميرون القيام بما يمكنه القيام به لاستمالة البريطانيين للتصويت للبقاء، أجرى اتفاقاً جديداً مع الاتحاد الأوروبي للحصول على مزيد من الخصوصية والاستقلالية، وقام بجولات ميدانية عديدة في عموم بريطانيا لتطمين الناس بأن البقاء في الاتحاد أفضل لبريطانيا.
في نفس الوقت، نشطت الأحزاب والجماعات الداعية للخروج، وعلى رأسها حزب الاستقلال (الذي نشأ في بريطانيا بدعوى الخروج من الاتحاد)، ونشط رئيس الحزب نايجل فاراج، الذي كان له دور كبير في التأثير على الناخبين، عبر خطاباته التحفيزية اليومية قبل الاستفتاء، وقيام أنصاره بتوزيع منشورات صبيحة يوم الاستفتاء، تهول من إمكانية دخول ملايين الاتراك والألبان إلى بريطانيا بحال انضمام تركيا وألبانيا وغيرها من دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد. وكان يخطب دائماً منادياً باستعادة أمجاد بريطانيا الغابرة.
الكثير من البريطانيين كانوا يتمنون الخروج من الاتحاد الأوروبي هرباً من الالتزامات المالية التي تدفعها بريطانيا كل سنة للاتحاد، ومن الدعم المالي والصحي والسكن المدفوع للأوروبيين الذين يعيشون على أراضيها، وهرباً من الهجرة غير الشرعية التي يتيحها التنقل الحر بين دول الاتحاد، وهرباً من الهجرة الضخمة لأعداد العمال من اوروبا الشرقية لبريطانيا للعمل، على سبيل المثال يوجد نحو مليون بولندي يعيشون ويعملون في بريطانيا.
استفتاء البريكست:
نزولاً عند التزامه السياسي، أطلقت الحكومة البريطانية الاستفتاء الشهير على الانسحاب من الاتحاد بتاريخ 23 يونيو 2016، كاشفة نتائج صادمة للقادة الأوروبيين، بريطانيا تصوت للخروج من الاتحاد بنسبة 51.89%، مقابل 48.11% لصالح البقاء.
شكلت النتائج صفعة قوية لكاميرون الذي اضطر لتقديم استقالته في اليوم التالي، معلناً أنه لا يريد أن يكون رئيس وزراء الحكومة التي ستخرج بلاده من الاتحاد.
استلمت رئاسة الحكومة خلفاً له وزيرة الداخلية القوية تيريزا ماي، بعد منافسة داخل أروقة حزب المحافظين، انسحب فيها منافسوها تاركين لها دفة القيادة.
بداية الطريق نحو الخروج والمادة 50 من معاهدة لشبونة:
يجب على بريطانيا الآن البدء بمشاورات الخروج من الاتحاد الأوروبي، استبقت تيريزا ماي كل البروتوكولات وحاولت إطلاق سلسلة من الاتفاقيات مع دول الاتحاد الأوروبي لضمان خروج آمن وسهل لبريطانيا. ولكن الاتحاد الذي تسيطر على أروقته ألمانيا الموحدة، والتي لا تريد أن تجعل من بريطانيا مثالاً يحتذى به في أوروبا منعاً لخروج دول أخرى، قالت “لا” لتلك المحاولات، داعية بريطانيا للالتزام بكل ما عليها الالتزام به من قوانين ناظمة للاتحاد.
لذلك فإن لندن لن تستطيع فعل أي شيء قبل أن تنادي بتطبيق المادة 50 من معاهدة لشبونة، والتي تعني حال تطبيقها أن أمام بريطانيا عامين فقط لتنظيم خروجها بشكل قانوني، أو أن تضطر للخروج قسراً مع وقف جميع الامتيازات الأوروبية، ما قد يهدد اقتصاد بريطانيا.
اضطرت تيريزا ماي يوم 28 مارس التوقيع على استدعاء المادة 50، لتدخل بريطانيا فعلياً في عدة الطلاق الواجبة عامين كاملين اعتباراً من 29 مارس 2017، تنتهي بالطلاق بتاريخ 29 مارس 2019 مالم يتم تمديد العدة بناءً على موافقة جميع الأطراف.
المملكة المتحدة أو بريطانيا العظمى مؤلفة من 4 أجزاء أساسية هي: انكلترا، اسكوتلندا، ويلز، وايرلندا الشمالية
فاتورة الطلاق:
حلم الكثير من البريطانيين أن يكون خروج بلادهم من الاتحاد أمر سهل بدون فواتير، وربما يستغرب القارئ العربي من المشكلات التي تعاني منها بريطانيا بحال الانسحاب، ولماذا عليها دفع فواتير باهضة، لذلك دعونا نرجع قليلاً إلى الوراء لفهم كيف تبدو عليه الصورة.
الاتحاد الأوروبي هو ائتلاف يضم بين دفتيه 28 دولة أوروبية، تم تنظيم الاتحاد من قبل علماء سياسة وخبراء اقتصاد واجتماع وقانون، ولجان عظيمة الشأن في كل مجال من مجالات الحياة، بما في ذلك الطاقة والهجرة والأمن الصيد البحري واستيراد البضائع والسياسة الخارجية ومصادر الطاقة وغيرها.
تلتزم الدول المنتمية للاتحاد الأوروبي دفع ما يترتب عليها من مبالغ منصوص عليها وفق الاتفاقيات المبرمة، على مبدأ الحصص، في نفس الوقت فإن الاتحاد الأوروبي يستثمر أو يدفع مبالغ مالية في دول الاتحاد الأوروبي على شكل مساعدات ودعم للشركات أو الجامعات أو المعاهد أو غيرها.
فيما يتعلق ببريطانيا فإنها تدفع سنوياً مبلغاً متزايداً.. خلال عام 2017 كان يجب أن تدفع 18.6 مليار جنيه استرليني، ولكن بريطانيا تحصل سنوياً على خصم، بلغ عام 2017 مبلغ 6.5 مليار جنيه، وبالتالي فإن ما دفعته بريطانيا نظير حصتها للاتحاد الأوروبي كان مبلغ 13 مليار جنيه استرليني، فيما قام الاتحاد الأوروبي بصرف 4 مليارات جنيه استرليني فقط على بريطانيا. في المحصلة قامت بريطانيا عملياً بدفع نحو 9 مليارات جنيه استرليني للاتحاد الأوروبي كإسهام أو تبرع بدون مقابل.

صورة توضح تنامي المبالغ التي تدفعها بريطانيا كل عام للاتحاد الأوروبي.
فضلاً عن المدفوعات، فإن بريطانيا مرتبطة اقتصادياً بالاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري، على سبيل المثال فإن 44% من صادرات بريطانيا عام 2017 من السلع والخدمات ذهبت للاتحاد الأوروبي بمبلغ اجمالي 274 مليار جنيه استرليني من اجمالي صادرات قدره 616 مليار جنيه.

صورة توضيح تنامي الصادرات لدول أخرى غير الاتحاد الأوروبي
إلا أن بريطانيا وبحال خرجت من الاتحاد الأوروبي فإنها لن تتوقف عن دفع التزاماتها تجاه الاتحاد، وهو ما أطلق عليه اسم “فاتورة الطلاق” أو “فاتورة الخروج من الاتحاد الأوروبي” حيث تم الاتفاق على دفع مبلغ بين 35 حتى 39 مليار جنيه استرليني على مدى السنوات اللاحقة، جزء من التزام بريطانيا بسداد المعاشات التقاعدية لموظفي الاتحاد الأوروبي وغيرها.
القضايا الخلافية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي:
أهم المشكلات التي يعاني منها اتفاق الخروج، والذي رفضه البرلمان البريطاني 3 مرات، هو مشكلة “شبكة الأمان” المتعلقة بإيرلندا الشمالية.
لفهم المشكلة يجب أن نعرف أولاً مايلي:
المملكة المتحدة أو بريطانيا العظمى مؤلفة من 4 أجزاء أساسية هي: انكلترا، اسكوتلندا، ويلز، وايرلندا الشمالية. والأخيرة هي الجزء الشمالي من جزيرة أيرلندا الواقعة غرب بريطانيا، حيث تعد سياسياً أحد أجزاء المملكة المتحدة، ولكن جغرافياً وبشرياً فهي جزء من جمهورية ايرلندا. يتمتع هذا الجزء بحقوق سيادية.
تنص “شبكة الأمان” على بقاء أيرلندا الشمالية في الاتحاد الأوروبي الجمركي وفق معايير الاتحاد، وهو ما تخشاه لندن حيث تطالب بتغيير تلك البنود لتفادي وجود التزامات تمنعها من مغادرة الاتحاد الجمركي بشكل منفرد (وهو ما يعني وضع حدود جمركية بين بريطانيا وأحد أجزاءها الأساسية وهي أيرلندا الشمالية)، وهو ما ترفضه بروكسل.
من القضايا الشائكة أيضاً موضوع حق الصيادين الأوروبيين في الصيد داخل المياه الاقليمية البريطانية، والفترة الزمنية التي يجب أن تلتزم بها بريطانيا في سداد حصتها في الاتحاد، وتفسير بنود الاتفاقية التي تضم 585 صفحة تقريباً.

صورة توضح النقاط الأساسية من الاتفاق
الطريق الصعب للاتفاق:
لم يكن الطريق ممهداً بالزهور، فألمانيا التي لها الكلمة العليا في الاتحاد الأوروبي لا تريد أن تجعل خروج بريطانيا سهلاً من الاتحاد، لكي لا تشجع أي دولة أخرى على اتخاذ نفس الخطوة، وبالتالي تقوض هذه الوحدة الأوروبية، وفرنسا التي لها ثقلها المنافس لبريطانيا في الاتحاد هي غريمها التاريخي وهي من وقفت في الأساس ضد انضمامها بادئ الأمر، لذلك لن تتهاون معها حينما تقرر الانسحاب طواعية من الاتحاد.
منذ استفتاء بريكست وحتى يناير 2019 قدرت التحويلات المالية للشركات من داخل بريطانيا لدول الاتحاد الأوروبي بنحو 800 مليار جنيه إسترليني (نحو تريليون دولار)
عانى البريطانيون كثيراً من الاتفاقيات التي ألقت بتيريزا ماي في جولات مكوكية بين بروكسل وبين لندن، حيث كان عليها أن تفاوض حول جميع النقاط المتعلقة بالعلاقات المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد، وتضمن أكبر قدر ممكن من المزايا لدولتها، كل ذلك خلال عامين فقط، وهما العامان المحددان لتنفيذ الخروج بدءً من توقيع خطاب الخروج من الاتحاد الذي وقعته ماي في 28 مارس 2017، وصولاً لتاريخ 29 مارس 2019.
إلا أن الاتحاد المؤلف من 28 دولة، لن يكون بالسهولة التي يأملها البريطانيون. هناك تهديد كبير للقطاع الطبي (غادرت نحو 7 آلاف ممرضة أوروبية بريطانيا منذ 2016، الكثير من الأدوية يتم تصنيعها في الاتحاد وتستورده بريطانيا).
تهديد أيضاً في قطاع الموظفين البريطانيين في دول الاتحاد حيث يعيش نحو 1.2 مليون بريطاني في الاتحاد الأوروبي، غالبيتهم يعملون في قطاعات مختلفة، فضلاً عن مواطنين يحصلون على رواتب تقاعدية.
التهديد يطال أيضاً القطاع الاقتصادي البريطاني (80% من صادرات بريطانيا هي خدمات وليست سلع)، حيث تستعد الكثير من الشركات المالية والأوروبية للخروج من بريطانيا وإيجاد أماكن بديلة لها في دول الاتحاد، فيما قامت شركات عديدة بالفعل بتحويل موجوداتها من حي المال البريطاني خارج بريطانيا، فمنذ استفتاء بريكست وحتى يناير 2019 قدرت التحويلات المالية للشركات من داخل بريطانيا لدول الاتحاد الأوروبي بنحو 800 مليار جنيه إسترليني (نحو تريليون دولار).
ستتأثر شركات التجزئة والمطاعم الكبرى من الخروج دون اتفاق، حيث ستعاني من مشكلة نقص التوريد.
فشل الاتفاق واستقالة ماي:
كل هذا دفع الحكومة البريطانية لمحاولات حثيثة للحصول على اتفاقية خروج وتحقيق انسحاب سهل ولين، وتجنب الخروج القاسي، أي الخروج بدون اتفاق، والذي سيكون له تبعات اقتصادية عسيرة على الجميع وخاصة بريطانيا.
كان على تيزيزا ماي التفاوض مع الاتحاد الأوروبي أولاً للحصول على أفضل صفقة ممكنة تضمن مصالح بريطانيا، ولكن اصطدمت بمطالب وشروط الاتحاد الأوروبي الذي رفض مراراً خطط ماي، ولكن مع قدوم 25 نوفمبر 2018 كانت الخطة المؤلفة من 585 صفحة قد حازت على رضا الاتحاد الأوروبي، وهنا على ماي أن تذهب بخطتها المنجزة إلى البرلمان البريطاني للموافقة عليها، لأن البرلمان كان قد صوت على قانون في 13 ديسمبر 2017 يجبر الحكومة على عرض اتفاق الخروج على البرلمان وأخذ الموافقة عليه قبل إقراره.
الخطة التي رسم ملامحها الاتحاد لكي تتوائم مع شروطه، لم ترق للكثيرين في البرلمان الأوروبي، بمن فيهم أعضاء في حكومة ماي نفسها (حزب المحافظين)، فضلاً عن حكومة الظل (المعارضة المتمثلة بحزب العمال برئاسة جيرمي كوربن). لذلك حين عرضت ماي خطتها لأول مرة على مجلس العموم البريطاني في 15 يناير 2019، منيت بخسارة كبيرة، صوت ضدها أعضاء المعارضة وأعضاء من داخل حزبها، بعد أن استقال عدد من أعضاء فريقها على خلفية الاتفاق.
إثر هذه الخسارة كان على ماي أن تعيد التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن الأخير قطع عليها الطريق بإعلانه أنه لن يقبل التفاوض مجدداً على خطة الانسحاب، وأن لندن أمامها الموافقة على الاتفاق المنجز أو الخروج بدون اتفاق.
كان موعد الخروج المحدد هو 29 مارس 2019، لذلك لم يكن أمام ماي الكثير من الوقت لفعل أي شيء، ما دفعها لمحاولة التفاوض وأخذ الموافقات داخل حزبها ثم عرض الاتفاق مجدداً على البرلمان لإقراره. ولكن حين فعلت ذلك بتاريخ 12 مارس 2019 منيت بخسارة أكبر من خسارتها الأولى، وهنا أصبح البرلمان أمام خطر الخروج من الاتحاد بدون اتفاق بعد اسبوعين فقط، ما استدعى البرلمان للتصويت على قانون ينص على عدم الخروج من الاتحاد بدون اتفاق، ما يعني طلب تمديد فترة الخروج لحين التوصل لحل.
بالفعل، قدمت ماي طلباً للاتحاد الأوروبي لتمديد موعد الخروج، وأمهل الاتحاد الأوروبي بريطانيا حتى 22 مايو للخروج بحال التصويت لصالح الاتفاق، وحتى 12 ابريل للخروج القاسي بحال عدم تمريره.
خلال هذه الفترة حاولت ماي تمرير الاتفاق مرة ثالثة، مهددة بأنها ستقدم استقالتها من منصبها بحال لم يتم تمرير الاتفاق. والاستقالة تعني التخلص عن كل ما توصلت إليه من اتفاقيات مع الاتحاد، ورمي بثقل المفاوضات لمن يخلفها.
أجري التصويت بالفعل بتاريخ 29 مارس، ولكنه مجدداً مني بفشل ذريع. ما يعني أن أمام بريطانيا لغاية 12 ابريل للخروج، لذلك اضطرت ماي لتقديم طلب جديد للتأجيل في 10 ابريل، وهنا منح الاتحاد الأوروبي مدة 6 أشهر جديدة لبريطانيا تأجيلاً للخروج على أمل التوصل لحل داخلي، وهو ما يعني أن الموعد الجديد أصبح 31 اكتوبر 2019.
بدا واضحاً أن اتفاق ماي قد مات، طالبت المعارضة باستقالة ماي، استقالت زعيمة الأغلبية بمجلس العموم أندريا ليدسوم في 23 مايو اعتراضاً على سياسة ماي، رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن: “هذه ثالث هزيمة لصفقة رئيسة الوزراء السيئة وإن عليها أن تقبل الآن أن الصفقة ماتت”.
اضطرت هنا ماي لجدولة استقالتها، متيحة الفرصة أمام حزبها لاختيار خليفة لها فيما يحاول حزب العمال الاستفادة من الاضطراب داخل المجلس للدفع باتجاه انتخابات جديدة.

التسلسل الزمني للبربيكست
تسلسل زمني للبريكست
1 يناير 1973 | بريطانيا تنضم إلى المفوضية الأوروبية |
اكتوبر 1974 | حزب العمال البريطاني يطعن في العضوية ويطالب باستفتاء |
5 يونيو 1975 | 67.2 من البريطانيين يصوتون لصالح البقاء في استفتاء شعبي |
1 نوفمبر 1993 | معاهدة ماسترخت تعلن الاتحاد الأوربي بديلاً عن الجماعات الأوروبية |
23 يناير 2013 | ديفيد كاميرون يعد باستفتاء بحال فاز حزبه (المحافظون) بالانتخابات |
7 مايو 2015 | حزب المحافظين يفوز بالأغلبية وكاميرون يصبح رئيس الحكومة |
20 فبراير 2016 | كاميرون يعلن توصله لاتفاق مع قادة الاتحاد الأوروبي يمنح بريطانيا وضعاً خاصاً |
16 يونيو 2016 | مقتل نائبة عمالية معارضة للخروج على يد المتطرف توماس ماير |
23 يونيو 2016 | بريطانيا تصوت لصالح الخروج من الاتحاد (51.89% للانسحاب، 48.11% للبقاء) |
24 يونيو 2016 | كاميرون يعلن استقالته بسبب نتيجة الاستفتاء |
11 يوليو 2016 | وزيرة الداخلية تيريزا ماي تصبح رئيس الوزراء |
2 أكتوبر 2016 | تيريزا ماي تعلن بدء الاجراءات الرسمية لمغادرة الاتحاد |
13 مارس 2017 | البرلمان البريطاني يعلن استدعاء المادة 50 من معاهدة لشبونة |
28 مارس 2017 | ماي توقع على خطاب خروج بريطانيا من الاتحاد |
29 مارس 2017 | بريطانيا تبدأ عمليا فترة العامين للخروج من الاتحاد |
26 جون 2017 | بدء المفاوضات الرسمية للانسحاب بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي |
13 ديسمبر 2017 | التصويت لإجبار الحكومة على عرض اتفاق الانسحاب على البرلمان قبل اقراره نهائياً |
15 ديسمير 2017 | الانتقال للمرحلة الثانية (المستقبلية) في المفاوضات على الانسحاب |
20 سبتمبر 2018 | الاتحاد الأوروبي يرفض خطة ماي للبريكست وماي تقول إن المفاوضات أمام طريق مسدود |
20 اكتوبر 2018 | نصف مليون بريطاني في مظاهرة رافضة لاستفتاء ثان للانسحاب |
25 نوفمبر 2018 | قادة الاتحاد الأوروبي يوافقون على خطة الخروج، بانتظار موافقة البرلمان البريطاني |
16 يناير 2019 | ماي تنجو للمرة الثانية من تصويت بحجب الثقة في البرلمان خلال شهر |
15 يناير 2019 | البرلمان البريطاني يرفض خطة ماي للبريكست |
7 فبراير 2019 | الاتحاد الأوروبي يرفض التغييرات في اتفاقية الانسحاب |
12 مارس 2019 | النواب البريطانيون يرفضون للمرة الثانية خطة ماي للبريكست |
13 مارس 2019 | النواب يرفضون الخروج من الاتحاد بدون اتفاق |
21 مارس 2019 | الاتحاد يمدد الخروج حتى 12 ابريل بحال الرفض و22 مايو بحال الاقرار |
23 مارس 2019 | مظاهرة مليونية في لندن تطالب باستفتاء ثان لمنع الخروج من الاتحاد |
29 مارس 2019 | البرلمان البريطاني يصوت للمرة الثالثة ضد خطة ماي |
10 ابريل 2019 | ماي تطالب بالتمديد والاتحاد الأوروبي يمدد الخروج 6 اشهر لغاية 31 اكتوبر |
24 مايو 2019 | ماي تعلن استقالتها من منصب رئاسة الحكومة اعتباراً من 7 يونيو |